سيرة زبيدة زوجة هارون الرشيد زبيدة ساقية حجاج منزل الله هي زوجة الخليفة العباسي الاشهر هارون الرشيد، والسيدة الثانية في القصر بعد الخيزران والدة الرشيد، عرفات بالورع ورجاحة العقل، وسخايها وعطفها على الفقراء، وبذل النفيس في طريق الله، ولا ادل على ذلك من عين الماء التي حملت اسمها عين زبيدة.
تزوج الرشيد زبيدة سنة 165هـ في خلافة المهدي في بغداد، واستولدها محمدا الامين، فاحبته حبا كبيرا حملها على اعداده لخلافة ابيه، وكاي امراة في بلاط الحكم، رغبت زبيدة في ان توول الخلافة الى ولدها الامين الهاشمي العربي النسب، على حساب اخيه -من ابيه- المامون، ولا سيما بعد بوح الرشيد لها بنيته العهد في الحكم من بعده الى غير ولدها الامين، فطفقت تجادله وتلومه.[١]
زبيدة هي ام جعفر زبيدة فتاة جعفر بن ابي جعفر المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد الطلب بن هاشم، زوجة هارون الرشيد، وابنة عمه،[١][٢] واسم زبيدة لقب غلب عليها؛ فاسمها الحقيقي هو امة العزيز، وانما سماها جدها المنصور زبيدة وهي طفلة يلاعبها؛ لبضاضتها ونضارتها.[٣]
كانت زبيدة كاتبة، محبة للعمران، عطوفة على اهل الفقر والعلم، وفي ذلك الحين وصفها ابن تغري بردي بقوله: (اعظم سيدات عصرها دينا، واصلا، وجمالا، وصيانة، ومعروفا، ولقد تركت على سبيل شعيرة الحج مرافق ومنافع عمت الجميع قرونا …)، فكان الامر الذي صح من اثارها الجليلة التي عادت على المسلمين بالنفع سقايتها اهل مكة الماء بعد ان قد كانت بدينار، فضلا عن هذا فقد اجرت في مكة عين ماء عشرة اميال الى الحرم بحط الجبال ونحت الصخر، من اقصى وادي نعمان في شرق مكة، واقامت لها الاقنية حتى ابلغتها مكة، وذللت الطريق للماء الذي سمي عين الشماس او عين زبيدة، كل هذا بمليون و700 الف دينار، وفي القرن الثامن الهجري وصف اليافعي في (اعلام النساء) عين الشماس بانها: (ذات بنيان محكم في الجبال، تقصر العبارة عن وصف حسنه… اثارها باقية ومشتملة على عمارة كبيرة عجيبة).[١]
لم يقف الامر نحو العين فحسب؛ فمن اثار زبيدة كذلك المصانع، والبرك، والابار، والمنازل التي من بغداد الى مكة، ومما ينسب اليها تشييد مسجد زبيدة ام جعفر في بغداد، وكان بعد وقت قريب من مسجد معلوم الكرخي، وكان ذلك المسجد واسعا وطيد البنيان قوي الاركان، غير انه لم يبق من هذا المسجد الا خبر زبيدة.[١]
كانت زبيدة ورعة؛ يسمع من غرفتها صوت القران الكريم كدوي النحل، فضلا عن انها قد كانت تبلغ الفقراء، وتجود بالمال عليهم وعلى العلماء وارباب التقوى والصلاح، وذكر المورخون انها دفعت في احدى حجاتها الف الف دينار، ووصل ما دفعته في ستين يوما الى 45 الف درهم، فارسل اليها احد موظفيها الحساب، فانكرت عليه هذا وقالت: (ثواب الله بغير حساب).[١]
عندما وضعت زبيدة محمدا الامين، صرح مروان بن ابي حفصة في ذلك:[١]
فامر الرشيد لمروان بن ابي حفصة بثلاثة الاف دينار، اما زبيدة فامرت ان يحشى فوه بالجواهر، فبلغت قيمة تلك الجواهر عشرة الاف درهم.[١]
ساهمت زبيدة في صياغة السياسة الرشيدية؛ لا سيما في ولاية العهد للخلافة، فكانت السيدة الثانية في البلاط العباسي بعد الخيزران ام هارون الرشيد، فقد تمتعت بنفوذ عظيم في الدولة، وحرصت السيدة الثانية في الجمهورية منذ ولادتها محمدا الامين على ان تكون الخلافة لولدها بعد ابيه، ونازعها في هذه الرغبة زوج الرشيد الثانية مراجل الفارسية الاصل، ولين رات ابنها البكر خليقا بالخلافة دون اخيه من ابيه عبد الله المامون، فان ثمة سببا اخر حملها على تلك الرغبة الا وهو الدافع القومي؛ بحيث يبقى عرش الخلافة عربي الاصل.[٤]
غير ان الرشيد كان يرى المامون اجدر بها من الامين، فدعا هذا زبيدة الى ممارسة الضغط عليه بالحجة الكلامية تارة؛ حيث قد كانت فصيحة مبينة، وبالاحتكام الى فلان تارة اخرى، فاحتال الرشيد للامر بان ثبت رايه سنة 175هـ/791م على عقد الخلافة لولده محمد الامين، ومن بعده لاخيه عبد الله المامون، ويبدو ان الرشيد في ذلك كان منقادا وراء تاثير قرينته زبيدة بصورة خاصة، وتاثير اخوال ابنه محمد بصورة عامة، وبالاخص خاله عيسى بن جعفر.[٤]
لم تكن زبيدة كاي امراة اخرى في القصر في عظم صبرها، ورجاحة عقلها بعد مقتل ابنها؛ فحين قتل ابنها الامين، دخل عليها بعض خدامها يستحثنوها على مناشدة الثار، فقالت: (اخسا لا ام لك! ما للنساء وطلب الثار ومنازلة الابطال؟!) ثم سودت ثيابها، ولبست مسحا من شعر، ثم استعبرت المامون بابيات شعر رق لها قلبه، فبكى وقال: (والله ما قتلت، وما امرت، ولا رضيت).[١]
ادرك زبيدة الوفاة في جمادى الاولى سنة 216هـ في بغداد،[١] ولكن لم يعلم تاريخ ميلادها على وجه الدقة.