معلومات عن حكم كافل اليتيم لكل منّا في هذه الدنيا نصيبه وحظه منها، فهناك من منّ الله عليه وأعطاه كل شيء من النعم المال والأهل والحياة السعيدة، وهناك من حرمه الله من شيء يعزّ عليه كثيراً ليبتليه، لكن إن صبر على ابتلائه سبحانه كافئه الله بالكثير الكثير من نعمه وجنته. فبعض النّاس من حرمهم من نعمة الأبوّة، فحرم من العيش في ظل والده لكن الإسلام لم يغفل عن ذكره في شريعته والحرص عليه، فمن هو اليتيم؟
اليتيم هو من فقد أباه قبل أن يبلغ سن الحلم والبلوغ، فإذا بلغ الحلم زال عنه هذا اللّقب. واليتم لغة تعني الانفراد، فمن عاش وكبر بدون أب فهو يتيم. والسبب في تسميته بهذا الاسم أن الإنسان يفقد من يعتني به ويكفله في مرحلة الصغر حين يكون في أشدّ الحاجة لمن يأويه ويعتني به ويرعاه. أما في البهائم فمن فقد أمه هو اليتيم، ويطلق على من فقد أباه وأمّه معاً “لطيم”، أمّا فقد أمّه دون أبيه فهو “العَجيّ”. بغض النظر عن المسميّات فإن من فقد أباه أو أمّه أو الاثنين معاً في صغره فهو شخص بحاجة إلى رعاية وحنان من حوله ليعوضوه عن خسارته الكبيرة في هذه الحياة.
لقد حرصت شريعتنا الإسلامية على الإهتمام باليتيم وحقوقه ورعايته، فقد ورد ذكر اليتيم في القرآن اثنين وعشرين مرّة، كانت في مواقع تعرض الرحمة الإلهية بهذا الإنسان وإيصاءالنّاس به، وفي مواقع أخرى كانت تعرض لبيان حقوقه الاجتماعية والمالية في المجتمع حتى لا يظلم؛ يقول سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: “وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى? وَالْيَتَامَى? وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ”. (سورة البقرة: 83)
). (سورة الكهف: 82)
أمّا حقوقه الإجتماعيّة فقد حرص الله سبحانه وتعالى عليها كل الحرص؛ فاليتيم إنسان مستضعف يستقوي عليه الأقوياء والظالمين؛ ولذلك فإنّ ديننا دين العدل والمساواة خصّه بحقوق اجتماعيّة له لا لغيره. فمن هذه الحقوق أوّلاً إيواء اليتيم بقوله سبحانه وتعالى: “أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى?”، فالإنسان يحتاج إلى مكان يأويه، مكان يحصل فيه على حنان وصدر حنون يغمره وبيت يشعر بالراحة والألفة فيه. قال رسول الله – صلّى الله عليه وسلم -: “خير بيت من المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه ، وشر بيت من المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه”. كما أنّ من حقوقه الاجتماعية الإنفاق عليه؛ قال تعالى: “وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى?”، فهو صغير مسكين لا يملك من ينفق عليه، يحتاج لمن يطعمه ويكسوه. ومن حقوقه أيضا حقه في التربية؛ قال تعالى: “وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى?”، فله حقه في التربية والهداية. ومن حقوقه أيضا الرفق به؛ قال تعالى: “فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ”، فالرفق به وعدم قهره والنهر به وإذلاله هو حق من حقوق اليتيم، فيكفيه ما يشعر به من فقده لأبيه.
كما أنّ الإسلام حرص في تشريعه على ترسيخ حقوقه الماليّة حتى لا تضيع هباء منثوراً في ظل الإستقواء عليه لضعفه وقلّة حيلته. فالإسلام حضّ على رعاية مال اليتيم سواء أكان ميراثاً أو هبة، وعدم الإعتداء عليها. فعلى كافل اليتيم الإستعفاف وعلى كافل الفقير أن ينفق عليه بالمعروف حتى ينالوا جزاء كافل اليتيم ولا يحلّ عليهم غضب الله ولعنته. كما أنّ الإسلام حدّد للوصاية المالية على مال اليتيم وقتاً محدّداً وذلك يبلغ سن البلوغ والرشد، حتى يكون قادراً على استلام أمواله وإدارتها. كما أنّه لم يمانع من التجارة بمال اليتيم للحرص عليها وعدم ضياعها، لكنه حصر ذلك بالإحسان؛ يقول تعالى: “وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ” (سورة الإسراء: 34). وقد حذّر الله سبحانه وتعالى من أكل مال اليتيم فيقول: “إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى? ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا”. (سورة النساء: 10)
إنّ الإسلام حرص على اليتيم وجعل جزاء كافله قربه من الرسول “صلّى الله عليه وسلم” وحبّه له، يقول رسولنا الكريم: “أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا” رواه البخاري. وقد كان خاتم الأنبياء يتيماً لكن الله سبحانه وتعالى تكفله من عنده ومنً عليه بالرسالة وعوّضه عن فقده، فالله رحيم بعباده ولا ينسى أحداً.